كيف نحل مشكلتنا-هل نحن عرب 2
5- الحلقة الخامسة - من نحن؟ العربية : من أكذوبة القبيلة إلى سعة الرداء الحضاري الإنساني 🌷🌷 رأينا في الحلقة الماضية بعض المغالطات المتعلقة بمعنى الانتماء "العربي" فأصل البشر ليس كما يتم تصويره على أنه قبائل منفصلة متحاربة منذ بدء الخليقة. بل البشر أقرباء وهم من أسرة واحدة توزعوا لقبائل وشعوب و تلك القبائل والشعوب كانت في حالة تبدل وتمازج مستمر وخاصة في منطقة بلاد الشام مركز العالم الجغرافي وبشكل أوسع في المنطقة التي تدعى بالشرق الأوسط. 🌷🌷🌷🌷 التقارب بين سكان المنطقة ليس بسبب علاقات عائلية والعلاقات العائلية لا تعني التقارب بالضرورة 🌷🌷 إن توصيف الروابط بين سكان ما يسمى "الوطن العربي" وبشكل أوسع "الشرق الأوسط" والمناطق التي حوله على أنها روابط "عرقية" هو توصيف مخادع ولقد تم تمريره بشكل بطيء خلال عشرات السنوات وتم إلباسه الأثواب المزركشة ليكون جذاباً وخصوصاً للأجيال المتتالية التي أصبحت جاهلة نتيجة عوامل ذاتية وعوامل خارجية وهذا لا ينفي استخدام هذه العصبية القبلية الجاهلية في مرحلة ما في عصور الانحطاط أثناء التاريخ الطويل. ففي منطقة الشرق الأوسط ومنذ القديم قبائل متداخلة تتحدث لهجات متقاربة أو متباعدة من عائلة اللغة العربية (ومنها الآرامية والعبرية وغيرها) ومن عائلة اللغة الفارسية (ومنها مختلف اللهجات الكردية) وعائلة اللغة التركية والريفية والأمازيغية وغيرها. والتقارب بين لهجتي قبيلتين لا يعني تعاونهما أو تقاربهما في المصالح أو بأن لديهما شعور بالانتماء المشترك. 🌷🌷🌷🌷 تصوير أن العلاقات الحضارية في المنطقة هي مجرد نتيجة سفر قبيلة هو تصور كاريكاتيري 🌷🌷 إن تصور أن هناك قوم أجلاف اسمهم العرب خرجوا بمرحلة ما من شبه الجزيرة العربية وفرضوا ثقافتهم المتخلفة على سكان المنطقة هو تصور مضحك تم توظيفه سياسياً لعشرات السنوات لتخريب العلاقات بين شعوب المنطقة. وكثير ممن يدافع أو يهاجم العرب يركز هذا المفهوم المغلوط. 🌷🌷🌷🌷 في المعاجم العظيمة التاريخية للغة العربية لا يوجد ذكر للأمة العربية بالشكل الذي يتم تصويره اليوم 🌷🌷 لو اطلعنا على تعريف كلمة "عَرَب" في المعاجم "العربية" والتي كتب معظمها في عهود الحضارة العظيمة التي يسميها بعضنا الآن بالحضارة "العربية" لما وجدنا في تلك المعاجم أي ذكر للحضارة "العربية" أو للأمة "العربية" أو لحدود الوطن "العربي" من المحيط إلى الخليج فكل ما يقوله معجم مختار الصحاح مثلاً عن العرب هو أنهم "جيل من الناس" دون أن يذكر أننا من هو ذلك الجيل من الناس وما علاقة الكاتب به بينما عندما يتحدث عن العربية فهو يقول "هذه اللغة" (لغة المعجم نفسه). وفي معجم القاموس المحيط وخلال صفحة كاملة تشرح المادة "ع ر ب" نجد تفصيلات تتعلق باللغة وبالإعراب وبالخيول وبالشعير. فنسبة "عربي" إلى اللغة العربية. ولا يوجد "عَرَب" بالمعنى الذي نستخدمه. بينما يوجد كلمة "العُرب" (بضم العين) وتم شرحها بالشكل التالي " وهم خلاف العجم وهم سكان الأمصار!" بينما الأعراب هو سكان البوادي. 🌷🌷🌷🌷 الفارق كبير بين انتقال رسالة تحمل ثقافة إنسانية جامعة وبين نزوح عرق بشري 🌷🌷 إن الذي انطلق من شبه الجزيرة العربية في القرن السادس لميلاد السيد المسيح ليس "عرقاً بشريأ" ولكن الذي انطلق هو الرسالة الإنسانية العالمية التي تطالب الإنسان بأن يكون صاحياً وواعياً ومفكراً متعلماً ومعلماً ومبدعاً متحرراً من كل الأوهام وخاصة الأوهام الدينية خلال حياته المحدودة على سطح الأرض كما تطلب منه أن يكون متواضعاً ولكن عزيزاً كريماً وتطلب منه أن يكون متعاوناً و متكاملاً مع الجماعة ليكون مع أخيه كالبنيان المرصوص وهو مسؤول لأقصى إمكاناته عن فعل الخير لنفسه ولأسرته ولمحيطه وللبشرية في جيله وللبشرية في كل أجيالها وللكائنات وللأرض من حوله في زمنه وفي مختلف الأزمان. هذه الرسالة .. هذه الفكرة.. هذه العقيدة .. لم تكن معلبة ضمن شخص تنتقل بانتقاله وتموت بموته. بل إن هذه الرسالة بمعانيها هي بنفسها التي انتقلت من إنسان إلى إنسان ومن قبيلة إلى قبيلة ومن شعب إلى شعب ومن أمة إلى أمة ومن جيل إلى جيل حتى أزيلت تلقائياً الحدود الوهمية ومشاعر العصبية القبلية بين معظم أمم الأرض وأصبح مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى. استعاد معظم البشر القدرة على الانصات لصدى فطرتهم وانتقل ابن بطوطة من أقصى المغرب إلى الصين و هو يصور أحوال بني آدم ذاهباً وعائداً خلال خمسة وعشرين سنة. أدرك كثير من الناس أن العلم فريضة وتعاون البشرية كلها فريضة وأصبح الموروث الثقافي للبشرية من فارس والهند واليونان وغيرها تتم مراكبته لتتكامل العلوم التي نسميها اليوم بالدينية وبالدنيوية أو بالنظرية وبالتطبيقية وليتكامل فكر بني البشر لينير على كل الأرض من جديد. 🌷🌷🌷🌷 اللغة العربية هي وعاء حضارة إنسانية جامعة وليست لغة عرقية عصبية 🌷🌷 وأصبحت اللغة التي نقلت الرسالة الإنسانية بدقة هي المؤهلة بشكل طبيعي لنقل تفاصيل العلوم بدقة. فاللغة التي تسمح للإنسان الشاعر بالتمييز بين حالات الإنسان النفسية ستكون مطواعة بيد العالم الذي يرغب بالتوصيف العلمي للعلاقات المادية. ولنأخذ مثالاً عن الوصف الدقيق لعواطف من يقع في الحب. هذا الوصف الذي لن يتوفر إلا جزئياً في اللغات الأخرى : الودود والمحب والعاشق والولهان والمشتاق والملتاع والصب والغريم والمتيم وغيرها. لقد نقلت في سلسلة محاضراتي عن "الميساء الأصيلة" جزءاً من المقارنات العلمية (العلمية وليس العاطفية) بين العربية واللغات الأخرى وخاصة الإنكليزية والفرنسية وبإمكان من يرغب بذلك الاطلاع عليها. وللأسف فإن انشغالي بشرح ما يحدث في سوريا يمنعني من متابعة تلك الحلقات حالياً ومنها حلقة تتحدث عن "عالمية اللغة العربية". 🌷🌷🌷🌷 حدود اللغة العربية أوسع بكثير من الحدود الوهمية للتوزع القبلي 🌷🌷 لقد أصبح هناك جسم انساني عام يجمع سكان المنطقة وما حولها (ولو اختلفنا على تفاصيل الحدود السياسية للولايات والدول والممالك). لقد أصبحت اللغة "العربية" هي وعاء الانتماء الإنساني الجامع في القرون الوسطى الذي تنصهر فيه كل العروق وكل الحضارات وكل العواطف ويكفي أن تطلع على أسماء الناس اليوم في تشاد والسنغال وتركيا وإيران والهند وباكستان لتعرف أن معظمها له أصل في اللغة العربية. ويكفي أن تطلع على ألقاب وأسماء وأماكن ولادة علماء الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها من المجالات من أعمدة الحضارة الإنسانية في القرون الوسطى لكي تدرك بأنهم جميعاً قد أتوا من مختلف أنحاء المعمورة تكاملت جهودهم في الحواضر وخاصة في عاصمة العالم الوليدة آنذاك "بغداد" التي أصبح عدد سكانها حينها مليوني نسمة حينما كان عدد سكان العالم مئة مليون نسمة فقط. 🌷🌷🌷🌷 تحابب البشر وتعاونهم هو سبب تقاربهم واللغة هي إحدى أدواته. اللغة العربية حضنت اللغات الأخرى و تصوير اللغة على أنها عدو يؤدي لتدمير اللغة الجامعة وإلى تفريق البشر 🌷🌷 لم تكن اللغة هي سبب تحابب الناس وتكاملهم بل كانت من وسائل هذا التحابب والتوادد والتراحم لقد تكاملت جهود كل البشر حتى في تطوير وتقعيد ما يتعلق باللغة "العربية" نفسها. لقد احتضنت العربية كل الألفاظ التي تحتاجها النهضة الإنسانية من اللغات الأخرى فالأم الحنونة ليست "ضد" أو "مع" حضارة أخرى فلقد استوردت العربية مثلاً كلمة "مهندس" من الفارسية وكلمة "فلسفة" من اليونانية و قام علماء الحضارة آنذاك بتوليد كل المصطلحات الجديدة التي يحتاجونها بالاعتماد على القواعد الذاتية الغنية للعربية. اللغة "العربية" هذا الوعاء الحضاري الإنساني الكبير التي بلغت حدوداً راقية من الكمال تتمتع بميزة عجيبة تعاكس فيها اللغات الأخرى : هذه الميزة هي أن الناس كانت تطبق قواعد العربية بالسليقة وكانت تضبط قواعد الشعر بالسليقة قبل أن تصبح تلك اللغة رداء حضارياً للبشرية فقد كانت هذه اللغة مكتملة قبل ولادة الحضارة العالمية التي اعتمدت عليها!! ما نعرفه هو أن علماء الأمة (باختلاف عروقهم!) قاموا لاحقاً بتوصيف القواعد وقد يستغرب من يظن أن الحضارة التي لبست اللغة العربية هي حضارة عرقية عندما يعلم مثلاً أن من أكبر علماء اللغة العربية "سيبويه". و"كتاب سيبويه" في النحو ما يزال من أهم الكتب المرجعية في اللغة ويستطيع أي منا أن يفهمه وهو مكتوب من أكثر من ألف ومئتي سنة. سيبويه من أهم علماء العربية مع أنه لا علاقة له بشبه الجزيرة العربية! ذلك يبدو مستغرباً في عصور الانحطاط اليوم حيث تتم محاولة رد الانتماء إلى أصل عرقي. وكما ساهم بضبط قواعد العربية من لم يأت من جزيرة العرب كذلك ليس غريباً أن تتطور الفنون الجمالية المتعلقة بالعربية ويكون أحد أجمل خطوط اللغة العربية هو الخط "الفارسي"!! فالعربية هي وعاء يجمع الحضارات وليست ملكاً لقوم أو قبيلة والأقرب للعربية هو الأقرب سلوكاً لروح الحضارة الإنسانية التي اجتمع حولها بنو آدم وليس هو الأقرب جغرافياً لشبه الجزيرة العربية وليس هو الأقرب لوناً من سكان تلك الجزيرة. 🌷🌷🌷🌷 العربية هي وعاء شامل شديد السعة للمفردات العاطفية والروحية والفلسفية المتراكمة المتميزة وتجهيل الناس بهذه المفردات يضعف قدراتهم العاطفية والروحية والنفسية ويحرمهم من الخبرة البشرية المتراكمة في هذا المجال لأكثر من الف سنة 🌷🌷 ومن العجيب قدرة علماء تلك الحضارة العالمية (التي اتخذت اللغة العربية لباساً لها) على الفهم الشامل للكون كله والذي تجلى في قدرتهم على استخدام نفس أدوات الوصف لتفسير الظواهر التي تبدو متباعدة على العوام. فها هو الخليل بن أحمد الفراهيدي (المتوفى سنة 786 م) يبتدع ما يشبه شكل الصفر والواحد لتوصيف موازين الشعر العربي ويأتي بعده بقليل الخوارزمي (المتوفى سنة 847 م) ليبدع في اختراع النظام الرقمي الذي غير مسيرة البشرية والذي هو نواة كل الأجهزة الرقمية في العالم اليوم. صحيح أن جذر الرسالة الإنسانية العميق هو الدين ولقد انتقل بالتدريج معظم سكان بلاد تلك الحضارة إلى الإسلام ولكن الرسالة نفسها في جذرها منسجمة مع انتماء أبناء ديانات أخرى لهذه الحضارة وخصوصاً من يسمون بأهل الكتاب. فمثلاً : بعض الشخصيات المسيحية واليهودية مشهورة في تاريخ هذه الأمة. وكمثل آخر : الحملات الحربية الغربية على مراكز تلك الحضارة في القرون الوسطى كانت تسمى في أوربة بالحروب الصليبية بينما كانت تسمى في مراكز تلك الحضارة بحروب الفرنجة. ونسبة من مسيحيي بلاد الشام جاءت مع تلك الحروب من الغرب واستوطنت فيها بعد جلاء "الفرنجة" وعودتهم لأوربة. ومثل ثالث : ربما حوالي نصف يهود دمشق في القرن ونسبة كبيرة من يهود المغرب هم من اليهود الذين هربوا من اضطهاد محاكم التفتيش في الاندلس وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من سكان البلاد. ومثل رابع : لا أعتقد أن مناهج التعليم للأمة قديمها وحديثها قد خلت من شعر الأخطل المسيحي أو السموأل اليهودي. إن منارات تلك الحضارة تجلت في مدنها من الهند إلى الأندلس. وبالتدريج كانت مفردات العربية تزداد غنى باستمرار وكانت هذه اللغة الجامعة تصبح شيئاً فشيئاً بكلماتها وتزداد المفردات المشتركة المستخدمة بين حواضرها ولم تتفتت اللغة بسبب وجود مرجعية لهذه اللغة بخلاف لغات العالم الاخرى. وأصبحت هناك لهجات عامية متعددة بدرجات مختلفة بحسب مواقع تلك الحواضر وأصبحت اللغة العربية واللهجات المتعلقة بها هي لغة الحياة اليومية والعلمية و الاقتصادية والثقافية في كل الحواضر الإسلامية بل وغير الإسلامية فلا يوجد لغة من لغات العالم (غير المعزولة) اليوم إلا وفيها نسبة من الكلمات العربية وقد كانت تلك النسبة أكبر بكثير قبل مئة سنة. 🌷🌷🌷🌷 ا نعم كل تلك الحواضر أصبحت بالتدريج تتكلم العربية بشكل ما. يتعلق ذلك الشكل بقصتها التاريخية وبموقعها الجغرافي ولكن ذلك لا علاقة له بالضرورة بالأصل العرقي لسكان تلك الحواضر فبعد ألف وأربعمئة سنة من الاندماج المتتالي لبني آدم من مختلف أصقاع الأرض في مدن مركز العالم الجغرافي من المضحك أن نتكلم عن الانتماء العربي بالمعنى العرقي لسكان حلب أو دمشق مثلاً وكأنهم هاجروا من شبه الجزيرة العربية. و مع الجهل بالقصة الحضارية في المنطقة قد يخطئ بعض الناس ويظنون مثلاً أن قبائل البدو الرحل في في بادية الشام تتحدث العربية الفصحى بشكل أفضل من سكان مدن بلاد الشام بما فيهم من هم من أصل تركي أو شركسي أو كردي أو أفغاني أو بوسني أو غيره فمثلاً كثير من لهجات بدو بلاد الشام تخلط بين حرف "الضاد" و "الظاء" بينما سكان المدن والقرى في بلاد الشام لا يقعون بذلك الخطأ و عند كثير من قبائل البدو في شبه الجزيرة يمكن البدء بحرف ساكن أو بلفظ حرفين ساكنين متتاليين بخلاف أصول العربية ولكن سكان مصر ليسوا كذلك. ولا يمكن القول كذلك أن ارتباط القبائل البدوية العربية بالرسالة الإنسانية الحضارية التي حملتها هذه المنطقة هي أقوى من ارتباط القبائل الكردية بتلك الرسالة. 🌷🌷🌷🌷 جغرافيا المتحدثين بالعربية وتوزع القبائل العربية بعيدة عن خريطة الوطن العربي التي يتم نشرها 🌷🌷 يبين الشكل الموضح في الصورة توزع البشر الذي يتحدثون باللهجات العربية المختلفة كلغة أم اليوم وهم يشغلون مساحة أكبر بكثير مما تمت تسميته بالوطن العربي وقد كنت أرغب لو أتيح لي الوقت بأن أقوم ببعض البحث لأرسم الدول التي تتكلم العربية بنسبة خمسين بالمئة فما فوق لنرى كيف أنها تشمل جزءاً كبيراً من العالم نفسه اليوم. بل ربما يجدر بنا أن نرسم خريطة تبين نسبة تحدث مختلف دول العالم كلها بالعربية فمثلاً التركية والفارسية والأوردية والأذرية والسواحلية تأخذ الكثير من العربية بل حتى الاسبانية والبرتغالية والتي يتكلم بها معظم سكان أمريكا الجنوبية (عشر كلماتها تقريباً عربية). لقد زادت مفردات العربية بكثرة في مختلف المجالات في القرون الوسطى.. وكان على من يريد أن يترقى في الحس والأدب والمنطق والعلم الديني والدنيوي ومن يريد كذلك أن يتعلم ويتواصل مع أبناء البشر كان عليه أن يتعلم الفصحى ولم يكن هدف التعلم هو "كسب المال" كما حصل مع الانحراف العام في البوصلة البشرية اليوم وإنما العلم الإنساني هدف بحد ذاته. وبما أن مراكز العلم الكبرى كانت في المدن فكان الناس ينصهرون فيها. وكلما بحث الإنسان عن العلم أكثر كلما اقترب من المدن الأكبر لذا بقيت اللهجات المحلية واللغات المحلية أقل تأثراً كلما ابتعدنا عن مراكز المدن الكبرى ثم القرى وبقيت موجودة في بشكل أكبر في القبائل الرحل ولذا نجد أن معظم أبناء المدن سواء أكانوا من أصول بدوية أعرابية أو كردية أو شركسية قد نسوا لهجاتهم أو لغاتهم الأم بعد عدة أجيال. 🌷🌷🌷🌷 الشخص العربي معناه في العامية أقرب إلى معنى "البدوي" وقد تم تغيير المعنى تدريجياً مع نشاط المفاهيم القومية منذ أقل من قرن ونصف 🌷🌷 على ما يبدو لقد كانت كلمة "عرب" (بفتح العين والراء) في لهجة بلاد الشام وربما في كثير من لهجات الحواضر في المنطقة تعني "الأعراب" أو "البدو" ومما تبقى في لهجاتنا الشامية مثلاً مما يتعلق بذلك "السمن العربي". ولكن النظرية القومية التي انتشرت في أوربا خلال البحث عن هوية جامعة للناس في القرن التاسع عشر انتقلت بشكل طبيعي أومصطنع إلى بلادنا حيث كان نشر فكر تميز القومية التركية الطورانية وتميز القومية "العربية" من أهم العوامل الفكرية التي فتتت الإمبراطورية العثمانية المريضة (بتشجيع دول الحلف المواجه لألمانيا والامبراطورية العثمانية) وترافق نشر تلك المذاهب مع تحريك العشائر البدوية بناء على مراسلات الشريف حسين ومكماهون وبناء على مخططات لورنس لضرب سكك الحديد لقطع أواصر الإمبراطورية العثمانية. وعلى ما يبدو فإن النظرة البريطانية لسكان المنطقة كانت فعلاً على أنهم "عرب" بمعنى "البدو" ولذا كان قد تم وعد الشريف حسين بإقامة دولة "عربية" وطبعاً تم إخلاف الوعد ولم يتم تأسيس دولة لهم في شبه جزيرة العرب. وعندما تم تفتيت المملكة السورية الوليدة أنشأت بريطانيا شرقي نهر الأردن إمارة سمتها إمارة شرقي الأردن عام 1923 ستتوافق مع المخطط القادم الذي يتطلب فصل فلسطين عن العراق وسوريا المصغرة وشكل الضابط البريطاني فريدريك لتلك الإمارة جيشاً من عدة مئات من البدو الذين شاركوا في عمليات ضرب خطوط الحديد العثمانية وتم وضع أولئك تحت قيادة الضابط البريطاني غلوب وسمت ذلك الجيش بالجيش "العربي". 🌷🌷🌷🌷 كيف تطورت الخريطة التي نعرفها اليوم بالوطن العربي 🌷🌷 أما رسم خريطة الوطن العربي فلا علاقة لها بأي توزع جغرافي عرقي أو حضاري عربي. وإنما نتجت (يقال بتوجيه بريطاني) من الدول التي رسمت بريطانيا وفرنسا حدودها ثم أعطتها استقلالها ضمن تلك الحدود. ويبدو أن الجامعة كانت للاشباع الجزئي للشعب الموحد حضارياً في المنطقة الذي كان يرفض الحدود التي وضعت فيما بينه فتم تأسيس الجامعة في مارس (آذار) 1945 ومن بنود التأسيس : الاعتراف بسيادة واستقلال الدول المنضمة إلى الجامعة بحدودها القائمة فعلاً! ومن المؤسف أن التعليم في المدارس أنشئ فوق تلك البنى السياسية فدرسنا "الوطنية" لتتكرس في أذهاننا الحدود المختلقة لما يسمى بسوريا ودرسنا القومية لتتكرس في أذهاننا الحدود المغلوطة لما يسمى بالوطن العربي ودرسنا التاريخ لنتصور بأن هناك صراعاً تاريخياً في المنطقة بين أعراق منفصلة في المنطقة بعضها يسمى بالعرق الأمازيغي أو الريفي أو العربي أو الكردي أو التركي. لم يكن تاريخ المنطقة دوماً مشرقاً ولكن علينا دراسة التاريخ بهدف الوعي للماضي الإنساني وليس بهدف فرض انتماء يقيد تصور الأطفال ويمنعهم من التعاون في المستقبل.