كيف نحل مشكلتنا-هل نحن سوريون
3- الحلقة الثالثة-من نحن؟ هل نحن سوريون؟ 🌷🌷 الجواب هو نعم ولا بنفس الوقت فالجواب يتعلق بالتاريخ الذي يطرح فيه السؤال وهو يتعلق بالمعنى الذي يضعه السائل والمجيب في ذهنه لكلمة "سوريا". فلو سألنا إنساناً عادياً في المنطقة التي تسمى بسوريا اليوم قبل مئة وخمسين سنة هل أنت سوري؟ لما فهم ما معنى "سورية" وما معنى سوري! فلم تكن هناك أية دولة تسمى سورية. كان ساكن هذه المناطق يعرف أنه يتبع إدارياً لولاية حلب أو بيروت أو غيرها وهذه الولاية تتبع للإمبراطورية العثمانية. وربما كان مفهوم الولاية هو مزيج من المصطلح الإداري لمفهوم "الدولة" و "المحافظة" بحسب المصطلحات الإدارية المعروفة فيما يسمى الدولة السورية اليوم. 🌷🌷🌷🌷 بين 1866 ونهاية الحرب العالمية الأولى 1918 🌷🌷 الاسم لم يكن يعني أي شيء لسكان المنطقة وفي عام 1866 تم تحويل اسم ولاية دمشق إلى ولاية "سورية" في السجلات الرسمية ولكن بقي اسم "الشام" هو الاسم الذي يعرفه به سكانها وجيرانها. وحدودها في ذلك الوقت لا علاقة لها بحدود ما يسمى بدولة سوريا اليوم.
بعد هزيمة ألمانية والإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى بدأت الدول المنتصرة (فرنسا وبريطانيا أساساً) بتقسيم المنطقة ووضع الحدود بالشكل الذي يناسبها وكانت تساهم في اختلاق أو دعم أو إقصاء الحركات الفكرية والتنظيمية على الأرض كي يتم تمرير مشروعاتها. فكان هناك مثلاً من يتحدث عن الاستبداد مثل المفكر عبد الرحمن الكواكبي ولكن الاستبداد السياسي لا علاقة له بالحدود و ما كان يخطر ببال الكواكبي الحدود الحالية لما يسمى بسورية ولكن الحديث عن الاستبداد تمت الاستفادة منه لاحقا في عملية التقسيم. نشطت شبكة المخابرات البريطانية والفرنسية باستخدام الرموز الدينية والوطنية فقامت بتحريض الشريف حسين وأمثاله على الثورة ضد الامبراطورية العثمانية وساعدتهم بالسلاح وغيره على ذلك. أما الأهداف الاستراتيجية للدولة البريطانية والفرنسية فكانت تفتيت الامبراطورية العثمانية الضخمة وتقسيمها بالشكل الذي يسهل التحكم بها بأقل كلفة ممكنة إن فهم البلاد والتأثير في الحركة الفكرية فيها جعل تقسيم البلاد واحتلالها يتم بكلفة قليلة جداً فكلفة احتلال سوريا ولبنان الحاليين كانت عدة آلاف (أحياناً 3 إلى 6 آلاف للجيش المحتل مع كوادر الدولة الإدارية) بمقابل عشرات ومئات الآلاف في الجزائر.
نتيجة التفاعلات الثورية ضد الامبراطوية العثمانية لم يتم شطر قسم "عربي" كبير واحد يشمل قسماً كبيراً من الاراضي المسماة اليوم "بالعربية" ووضعه تحت سلطة الشريف حسين بل بدأت محاولات التفتيت لأجزاء أصغر. وأعلن النواب البرلمانيون الذين كانوا منتخبين لتمثيل مختلف بلاد الشام في استانبول (حسب النظام العثماني) أعلن هؤلاء بعد نهاية الحرب العالمية الأولى في 8 آذار 1920 سلخ بلاد الشام عن الدولة العثمانية وتسمية القسم المسلوخ ب"الممكلة السورية". وهي المبينة في الصورة. 🌷🌷🌷🌷 الانتماء العاطفي الوطني وتغير حدوده 🌷🌷 لو سألنا شخصاً "ثورياً" في 9 آذار 1920 من حيفا "هل أنت من سوريا لقال نعم. نفس الشخص لو سألته بعد 24 تموز 1920 "هل أنت من سوريا" ربما كان سيقول "لا". فبعد معركة ميسلون تكرس احتلال فرنسا لما يسمى بسوريا ولبنان الآن واحتلال بريطانيا لفلسطين ولما يسمى الآن بالأردن. وخلال تلك الفترة لو سألت "بيروتياً " ثورياً هل هو من سوريا لأجاب نعم ولاختلفت اجابته بعد نيسان 1946. أما فيما بين 1920 و1946 فقد جربت فرنسا تقسيمات أخرى وكان على أساسها يمكن للشخص أن ينتمي لدولة حلب يوماً أو دولة العلويين أو لا ينتمي بحسب رسوم مهندسي السياسة الفرنسيين والعالميين. ولم يتوقف رسم الحدود وتعديلها فمعظم الجولان موجودة في بعض الخرائط وغير موجودة في أخرى مع أن تركيبتها الإدارية لا علاقة لها بالتركيبة الإدارية لباقي ما يسمى بسوريا وكذلك لواء اسكندرون وغيرها. 🌷🌷🌷🌷 الشعور الوطني والقومي في المنطقة يتم توظفيه في تخريب النسيج المجتمعي 🌷🌷
لو سألنا شخصاً من حلب اليوم هل أنت من سوريا سيقول "نعم" وسيكون صادقاً من جهة ولكنه سيكون "كاذباً" من جهة أخرى بحسب المعنى الذي فهم به السؤال. سيكون من "سوريا" إذا كان المقصود بالسؤال المنطقة التي اتفقت القوى العظمى بعد الحرب العالمية الثانية على تسميتها بسوريا وهي التي حددت لها شكلها وقررت أن تدير هذه المنطقة بالذات مؤسسات مركزية واحدة. ولكنه سيكون كاذباً إن كان يقصد بأن كلمة "سوري" تعني هوية ثقافية تاريخية خاصة تربط بين كل سكان المنطقة المسماة حالياً بسوريا بحيث تجمعهم بين بعضهم وتفرقهم عمن حولهم. نعم هناك الكثير من المشترك بين بني آدم القاطنين ضمن حدود ما يسمى بسوريا ولكن الارتباط الثقافي بين أهالي درعا وأهالي إربد أكبر بكثير من ارتباط أهالي درعا بأهالي دمشق والصلات العائلية بين أهالي حمص وأهالي طرابلس أكثر بكثير من صلة أهالي حمص بأهالي حلب وعادات العلويين في ريف اللاذقية أقرب بكثير لعادات العلويين في لواء اسكندرون من عادات أهالي دير الزور. وأهالينا في المالكية ما عرفوا لماذا تم وضع الخط الحدودي بينهم في "المالكية" فيما يسمى سوريا وبين بقية أهلنا فيما يسمى "زاخو" فيما يسمى العراق.
🌷🌷🌷🌷 لا يمكن للإنسان أن يعرف الملايين و بدون برامج لربط البشر ببعضهم يتم توظيف الشعور الوطني في توليد الحقد 🌷🌷 إن البشر الذين كانوا يقطنون فيما يسمى دولة سوريا كانوا يتجاوزون العشرين مليون قبل سنوات وفيهم ثقافات وملل وعروق شتى فهذه المنطقة كانت ملتقى حضارات العالم ولكن المشكلة أن الإنسان لا يمكنه التعرف على عشرين مليون إنسان وهو خلال حياته يمكنه ربما التعرف على مئة أو مئتين أو ألف شخص بشكل جيد وبغياب برامج تعريف ما يسمى الشعب السوري ببعضه وبغياب أدوات الإحصاء العلمي فإن معظم ما يسمى بالسوريين يظنون أن سكان سوريا مشابهين لأبناء عائلتهم أو أبناء حارتهم أو أبناء طائفتهم وهم يعممون خبرتهم المحدودة للحديث عن السوريين. فعندما يتحدث اليوم من كان ميسور الحال عن سكان سوريا يظن بأن معظمهم كان من ميسوري الحال وعندما يتحدث المسلم الملتزم فغالباً ما يظن أن معظم سكان سوريا مسلمين ملتزمين وعندما يتحدث العلوي يظن بأن التغيرات الاقتصادية التي حدثت في جبال العلويين تشابه ما حدث في باقي سوريا وعندما يتحدث السوري المغترب قبل عشرات السنوات فغالباً ما يتحدث عن بنية مجتمعية وعلمية لم تعد موجودة اليوم. 🌷🌷🌷🌷 معظم سكان المنطقة لا يعرفون أنفسهم وعلاقاتهم العميقة ببعضهم 🌷🌷 لا يعرف إلا القلة من أبناء الشعب السوري تركيبته. ففي سوريا يوجد ثقافة ونمط حياة لسكان المدن الكبيرة العريقة وثقافة ونمط حياة لسكان المدن الصغيرة وثقافة ونمط حياة لسكان القرى وثقافة ونمط حياة للبدو كما يوجد نمط حياة للبدو الذين استوطنوا في القرى و للقرباط وللدروز وللعلويين وللإسماعيليين ويوجد ما يميز الأكراد وما يميز الآشوريين وما يميز التركمان والأرمن والشركس وغيرهم والكثير من التفرعات للمسيحيين بحسب مذاهبهم وأصولهم ومناطقهم وكذلك للمسلمين. إن معظم أبناء آدم الذين يعيشون ضمن الحدود السورية (التي رسمتها القوى العظمى) لا يعرفون بعضهم ولا يعرفون التوزعات المجتمعية على خارطة المنطقة. ولكن دوائر المخابرات المحلية والعالمية تعرف هذه التركيبات وتعرف آلية التأثير في الفرد وفي الجماعة وتستخدم هذه المعرفة في رسم المنطقة. إن تعاون أبناء المنطقة من أجل فهم تركيبتها يسهل المعرفة الصحيحة والعلمية الصادقة خارج تأثيرات أجهزة المخابرات المحلية والعالمية يسمح بفهم مشكلتنا بشكل أكبر ويسمح بتحسين الحلول. إن هذا الفهم أهم بكثير من معرفة هل يجب كتابة "سوريا" بألف ممدودة (سوريا) أو بالتاء المربوطة (سورية).