تعليق على بوست الديمقراطية لحسام الدين درويش

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

3 يناير، 2019-تعليق على بوست حسام الدين درويش

بوست حسام الدين درويش

حسام الدين درويش January 2, 2019 · "الديمقراطيّة ليست مجرّد الفوز في صناديق الاقتراع" هذا ما قالته مؤخّرًا جين ساكي المتحدّثة باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة. وبغضّ النظر، سواء أكان الحقّ الذي يتضمنه هذا القول حقًا يراد به باطلٌ أم لم يكن كذلك، يتعين التشديد على معقوليّة هذا الحقّ وعلى حدوده معًا. وعلى صعيد الفلسفة السياسيّة المعاصرة، يمكن التمييز بين اتّجاهين رئيسين مختلفين بخصوص علاقة الديمقراطيّة بمسألة الاقتراع. يشدّد الاتّجاه الأوّل على أهميّة عمليّة الاقتراع، إلى درجةٍ يجري معها اختزال الديمقراطيّة في هذه العمليّة، أو التقليل من أهميّة بقيّة العناصر، أو المبادئ المؤسِّسة لماهيّة الديمقراطيّة. والمتبنّون لهذا الاتّجاه يرون في "الانتخابات المفتوحة والحرّة والنزيهة جوهر الديمقراطيّة"، كما يقول صمويل هنتنغتون. وهذا التشديد على أهميّة عمليّة الاقتراع، يترافق عادةً مع تأكيد الأصول "الغربيّة" (الأوروبيّة - الأميركيّة) للديمقراطيّة. فهذا الاتّجاه يرى أنّ نشأة الديمقراطيّة حصلت عند اليونان، عندما بدأت أول عمليات الاقتراع السياسيّ. أمّا الاتّجاه الثاني فيرى ضرورة فهم الديمقراطيّة من منظورٍ أوسع؛ يتضمّن عمليّة الانتخاب ويتجاوزها في الوقت نفسه. وبدلًا من تعريف الديمقراطيّة بدلالة الانتخابات، يجري تعريفها بدلالة النقاش والتشاور بين الفاعلين السياسيّين في بلدٍ ما. وتصبح الديمقراطيّة وفقًا لهذا الاتّجاه "حكمًا بالنقاش"، كما يشير أمارتيا سِن. وانطلاقًا من هذا التعريف، لا يمكن الحكم على مدى ديمقراطيّة نظامٍ سياسيٍّ ما انطلاقًا من دراسة عمليّات الاقتراع فيه، بل ينبغي عند دراسة هذه العمليّات وغيرها من عناصر الممارسة السياسيّة، أن نأخذ في الحسبان "الأجواء" المحيطة بهذه العمليّات وتلك الممارسة. وتتضمّن هذه الأجواء مدى توافر الحريّات الأساسيّة للأفراد والمجموعات، ومدى توافر المعلومات للمواطنين عن طريق وسائل إعلاميّةٍ مستقلّةٍ و"نزيهةٍ"، ومدى قدرة الأفراد والجماعات السياسيّة على الانخراط في نقاشاتٍ ومشاوراتٍ عامّةٍ، يمكن أن تساعد، من حيث المبدأ، على محاكمة الأفكار كلها، انطلاقًا من المصلحة العامّة التي يجري بناء مضامينها باستمرار من خلال هذه النقاشات والمشاورات. ووفقًا لهذا الاتّجاه، يمكن الحديث عن أصولٍ عالميّةٍ للديمقراطيّة؛ لأنّ التداول والتشاور والنقاش الحرّ في الشأن السياسيّ لم يقتصر تاريخيًّا على "الغرب"، وإنّما يمكن تتبع وجوده وجذوره في الحضارات "الشرقيّة" أيضًا. أصبح لهذا النقاش الدائر حول علاقة الديمقراطيّة بمسألة الانتخابات حضورٌ كبيرٌ مؤخّرٌ في عالمنا العربيّ عمومًا، وفي بلدان "الربيع العربيّ" خصوصًا. ومن المفارقات الدالّة في هذا الصدد أنّ بعض المنادين بالديمقراطيّة الذين كانوا يشدّدون كثيرًا على مركزيّة فكرة الانتخابات الحرّة في العمليّة الديمقراطيّة، أصبحوا يقلّلون مؤخّرًا من شأنّ هذه الفكرة لمصلحة التركيز على فكرة التوافق بين القوى السياسيّة، والتشارك في صنع القرار، وبناء مؤسّسات الدولة وأسسها الدستوريّة والقانونيّة. وفي المقابل، تصرّ بعض التيارات السياسيّة ذات الشعبيّة الكبيرة نسبيًّا، على أنّ صناديق الاقتراع هي صاحبة القول الفصل في الخلافات القائمة بين الأطراف السياسيّة المتنازعة. وعلى الرغم من صعوبة إيجاد حلٍّ نظريٍّ أو عمليٍّ للاختلافات القائمة بين هذه الاتّجاهات المختلفة، فإننا نعتقد أنّه ينبغي التشديد على إمكانيّة التكامل بين وجهتي النظر، بدلًا من إبقائهما في حالة صدامٍ أو تعارضٍ بسيطٍ وأوّليٍّ. ويتعين بدايةً التمييز – كما يفعل عزمي بشارة محقًّا – بين "تأسيس النظام الديمقراطي والإعادة المستمرة لإنتاج هذا النظام" لاحقًا. ففي حالة التأسيس، نحن أمام وضعٍ استثنائيٍّ بكلّ معنى الكلمة. وفي مثل هذا الوضع، لا ينبغي التسرّع في حسم الاختلافات بين الأطراف السياسيّة والمجتمعيّة عن طريق اللجوء إلى صناديق الاقتراع؛ إذ يمكن لهذه الصناديق "الديمقراطيّة" أن تنتج دساتير ومؤسّساتٍ غير ديمقراطيّةٍ، لتضمّنها إجحافًا بحقوق فئاتٍ واسعةٍ من الشعب (الأقليّات الدينيّة أو العرقيّة، أو النساء والأطفال، أو الفقراء والمهمّشين اجتماعيًّا عمومًا ... إلخ). وفي هذه الحالة، لا يكون صندوق الانتخاب جزءًا من عمليّة بناء الديمقراطيّة أو بناء دولة المواطنة الحقوقيّة، بل يكون أداةً قمعيّةً لتبرير الممارسات والقوانين التي تتنافى مع الديمقراطيّة شكلًا ومضمونًا. فتصويت الأغلبيّة الساحقة من المواطنين لمصلحة حرمان بعض المواطنين من حقوقهم الأساسيّة بسبب انتمائهم الدينيّ أو الطائفيّ أو العرقيّ، لا يجعل من هذا الحرمان مشروعًا وفقًا لمبادئ الديمقراطية، بكلّ تأويلاتها المعقولة الممكنة. ولهذا يتطلب تأسيس الديمقراطيّة البحث عن التوافق بين مختلف الأطراف السياسيّة والمجتمعيّة، بغضّ النظر مبدئيًّا عن التفاوت في نسبها الانتخابية. كما يتطلّب تسوية الخلافات السياسيّة بالنقاش الحرِّ العامّ بما يسمح بقيام دولةٍ تكون وطنًا ممكنًا لكل المواطنين، بدلًا من أن تكون بلدًا حاضنًا لفئةٍ دون أخرى، واتّجاهٍ دون آخر. والأساس الذي ينبغي لبناء النظام الديمقراطي أن يتأسس عليه هو المواطنة المتساوية في كلّ الحقوق والواجبات الأساسيّة بين جميع المواطنين، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينيّة أو العرقيّة أو الثقافيّة، وعن أوضاعهم الاقتصاديّة أو منزلتهم الاجتماعيّة. وصناديق الاقتراع ضروريّةٌ ومهمّةٌ للمصادقة على تأسيس هذا البناء، وبعد تأسيسه، لكنّها تفقد أهميّتها، بل ومشروعيّتها، بقدر ما تمسّ أساس هذا البناء أو تلك المواطنة. في مرحلة تأسيس النظام الديمقراطي، يعرقل الصراع الحزبيّ أو الفئويّ على السلطة، أو محاولة الاستئثار بها والهيمنة عليها وعلى الدولة، عمليّة التأسيس هذه. وانطلاقًا مما حدث في مصر مؤخّرًا، استحضر بعضهم قول فرانسيس فوكوياما وغيره "لا ديمقراطيّة من دون ديمقراطيين". ونحن نرى أنّ حضور الإنسان الديمقراطيّ لا يجري إلا في ظلّ نظامٍ ديمقراطيٍّ قائمٍ؛ أي "لا ديمقراطيين من دون ديمقراطيّة". وعلى الرغم من إمكانيّة وجود تناقضٍ نظريٍّ بين هاتين الفكرتين، فإنّ الواقع العمليّ قد يسمح بالمصالحة بينهما وبتكاملهما، حين تأخذ عمليّة بناء النظام الديمقراطي صيغةً عمليّةً تسعى لتحويل البلد إلى وطن، والرعايا إلى مواطنين متساوين. فحينها فحسب، يمكن العمل على بناء الديمقراطيّة والديمقراطيّين معًا، وفي الوقت نفسه. ....................... بناءً على النقاشات التي جرت في خصوص المنشور السابق، ارتأيت إتاحة وضع هذا المقال من جديد للمهتمين بالموضوع (رابط المقال كاملًا في التعليق الأول)

تعليقي على البوست

حسام الدين درويش

انت كفيلسوف تؤمن باهمية الفكر النقدي الذي يبدا بالتشكيك بكل شيء قبل ان يعطي مقولات ومسلمات وينعتها بالصحة. لماذا اذن تعتبر ان الديمقراطية شيء موجود خارج تجربة المجتمع يمكن تعريف وتحديد ماهيته. لقد اصبحت الديمقراطية مصطلحا مقدسا يقف عنده اي تفكير نقدي ولا يتساءل عنه ولا يتخطاه. اصبحت الديمقراطية مطلبا بحد ذاتها لا يتجزا ولايتغير مع الزمن. ثم نجد انفسنا مجبرين على التفريق بين اللحظة التاسيسية والمسار اللاحق المستقر. هذا التفريق ادخل النقاش في معضلة الدجاجة والبيضة ايهما قبل الديمقراطية ام الديمقراطيون. اعطيت تعريفين تبسيطيين للديمقراطية الاول يختزلها بالاقتراع والثاني بالمشاورة. واعتقد ان التعريفين لا يعبران الا عن ظواهر مرتبطة بالديمقراطية والتي هي في النهاية سيرورة تاريخية وليست تعريفا. بدل ان نتجادل عما هو افضل تعريف للديمقراطية اهو التوافق ام الاقتراع لنعد قرنين في الزمن الى حين لم يكن يتحدث بالديمقراطية الا الفلاسفة، ولنتسائل هل كان المجتمع الاوروبي يسعى حتميا الى الديمقراطية تليولوجيا ام ان الاحتمالات كانت مفتوحة، وهل فعلا كانوا يعرفون الى اين يتوجهون. بالطبع لم يكن احد يفكر بديمقراطية القرن الواحد والعشرين، ابدا. تلك الديمقراطية التي ليس لها تعريف وهي مسيرات تاريخية ديناميكية لمجموعة من الانظمة السياسية انتجت انظمة مختلفة بقدر ما هي متشابهة. اعتقد ان من الاسلم والاعقل طرح سؤال، ماذا نحتاج في منظومتنا السياسية قبل ان نعطي حلولا جاهزة. المثقفون صاروا انبياء الديمقراطية واصبح الواحد يشعر بالذنب اذا خالف هذه الفكرة الغربية او تلك. السؤال الذي طرحته يزيد من تشويش الناس، خاصة وانك ألمحت الى ان الاقتراع الذي يعطينا الاسلامويين ليس من الديمقراطية بشيء، وهذ مازق لن يستطيع احد الخروج منه بسهولة. عندنا مجتمعات سورية تعرف اختلافاتها وتشابهها، ولدينا دولة لها تاريخ مختلط، ولدينا شعوب بعضها قبائلي وبعضها عشائري وبعضها طائفي وبعضها يعتقد بهويات قومية مختلفة وهويات مناطقية مختلفة، ولدينا مجتمعات يسيطر عليها رجال الدين وشيوخ العشائر، فلنضع الديمقراطية على جنب فلا احد يفهمها، وولنتساءل ما هو النظام السياسي الجامع لكل هؤلاء والذي يحقق بعض الشروط التي قد يتفق عليها معظم الناس. اذا اجبرناهم على مصطلح ومفهوم الديمقراطية فنحن كمن يجبرهم على مفهوم الطريق القويم، الذي لا احد يعرفه والكل يفهمه بطرقته ويزاود على الاخرين به ويجعلهم يحسون بالذنب لانهم ليسوا على المستوى المطلوب. ماذا نريد، ماذا يريدون، وقف القتل، حرية، محاصصة عشائرية، عودة الاقتصاد، العودة الى البيوت، قبضة امن قوية، ام احزاب وايديولوجيات متصارعة، ثقة بالاخرين او ضمانات، خدمات تقدمها الدولة ام المجتمع المدني، حقوق الاقليات ... لا اعرف ... فقط لنسالهم قبل ان نطرح حلولا كلية وشاملة وجاهزة ومستوردة. علينا ان نكون محفزين للتفكير وللنقاش النقدي، لكن في مسالة الديمقراطية احس دائما بوجود نفس تعليمي.