المنظومة الدولية
21 كانون الثاني، 2016، إستثناءات المنظومة الدولية
في العالم أنماط من الدول لكنها تخضع بشكل أو بآخر للمنظومة الدولية والقانون الدولي والمؤسسات الدولية. كل الشعوب تعتقد أنها إستثنائية وأنها "خير أمة أخرجت للناس". لكن هناك ثلاث دول تمثل الإستثناءات الوحيدة للمنظومة الدولية وقوانينها. الأولى هي الولايات المتحدة ولا لغز في ذلك لأنها الأقوى ولأنها من صانعي المنظومة الدولية وحارسيها وتستطيع بين الحين والحين أن تخرق القوانين. الدولتان الأخريان هما حقا الإستثناءان الحقيقيان وكلاهما مدعومان في استثنائيتهما من الولايات المتحدة، وأعني إسرائيل والسعودية. منطقة شرق المتوسط محكومة بهذين الإستثنائين، ولا يمكنها أن تتطور في أي اتجاه يتناقض مع الإستثنائين. إننا نعيش في فضاء خاص خارج الزمن وتطوره إسمه فضاء الإستثنائين الإسراثيلي والسعودي. دولتان تفعلان ما تشاءان ولا تخضعان لأية قوانين أو أعراف دولية. كلتاهما خارج نطاق المنظومة الإقتصادية المفروضة على الآخرين، وخارج منظومة الضغوطات المفروضة على الآخرين، وخارج المنظومة الإقتصادية بسبب البترول والدعم الأمريكي المادي. كلتا الدولتين تقومان على أيديولوجيات نابعة من الكتب الصفراء تؤكد استثناءهما، إسرائيل شعب الله المختارالذي يحكم القدس والسعودية خير أمة أخرجت للناس والتي تحكم مكة والمدينة. كلتا الدولتين تحقيق لأحلام مأخوذة من الكتب الصفراء. كلتاهما تفرضان على الدول المجاورة الدوران في مدارات محددة لا تخرج عنها. إسرائيل تفرض نوعاً من الهزيمة المستمرة والتشتت على الدول المجاورة وتحارب أي تغيير فيها. والسعودية تفرض نوعاً من الطاعة والديكتاتورية والإستعباد بالكاش السعودي على الدول المجاورة، وتمنع أي تغيير فيها. لن تنجح أية عملية تغيير في سوريا ما دمنا محكومين بهذين الإستثناءين، وسنرى ذلك في المفاوضات القادمة. لكن هناك دائماً هامش للمناورة ينفي ضرورة الإنبطاح الكامل والإرتهان الكامل. لا أحد يستطيع أن يفرض قراراته وتوجهاته على كل أفراد الشعب، هم يتركونها للديكتاتوريات. لكن الثورة السورية أثبتت أن أهل البلد، الأفراد المتظاهرين، والمقاتلين المدافعين عن بيوتهم وأهلهم يمكن أن يكسروا قيود الديكتاتورية وبالتالي قيود الدوران في فضاء الإستثناءات المذكورة أعلاه. لا أعارض المفاوضات القادمة وأعتقد أنها يجب أن تحصل مهما كانت تركيبة المفاوضين. وليس لي أي رأي مبدئي عليها لأن المبادئ تعني أننا نحكم على الوضع بقوانين ثابتة نحن نختارها ونقرها، لكن الحقيقة أننا محكومون بقوانين لعبة مفروضة علينا تماماً. كل ما يمكن للسوريين أن يفعلوه هو قبول الإملاءات لكن دون الإنبطاح الكامل. علينا المناورة في ظروف غير مواتية لما نريد تحقيقه. لكن يمكن أن نحصل على فرص صغيرة يمكن استغلالها. أعتقد أن الخطوط العامة لما يمكن أن تنتجه المفاوضات معروفة للأطراف ومتفق عليه من قبل أطراف أعلى مثل أمريكا وروسيا وإيران والسعودية، لكن يمكن أن ينتج عن المفاوضات المفروضة بعض الإنفراج على بعض الجبهات. هذه الإنفراج، إن حصل، يمكن أن يؤدي إلى وقف إطلاق نار مؤقت على بعض الجبهات. تحديد ورسم الجبهات وفترات الإنفراج الدوارة والمؤقتة يمكن لها أن تعطي بعض الإستقرار. هذا الإستقرار قد يؤدي إلى ظهور معطيات جديدة على الأرض تفرض نفسها على الجميع وتغير مجرى اللعبة. يخلق الله ما لا تعلمون، نعم لأن الفواعل المخبأة كثيرة وعندما تتفعّل فإن المجريات قد تتغير. ما يؤسفني حقاً هو أن كل المعارضة السورية دون استثناء لم تؤمن يوماً بأن الناس على الأرض يمكن أن تكون أداة التغيير الحقيقية. من برهان غليون أول رئيس للمجلس الوطني إلى الإخوان إلى كثير من الفصائل الإسلامية وغيرها على الأرض. لم يثقوا يوماً بقدرة الناس على فرض التغيير ولذلك كانت استراتيجيتهم دوما الركوب في أول قطار دولي وكلهم أمل أن يقودهم إلى السلطة. سوريا دولة قامت بقرار أثناء الحرب العالمية الأولى. حتى "أبطال الإستقلال" لم يخرجوا عن نطاق هذا الواقع ولم يحاربوه بل استغلوه لمصلحتهم. والبعض اليوم يؤمن بأن القرار الخارجي هو مصير سوريا الأبدي ويؤمنون بذلك بشدة منقطعة النظير كما يؤمنون بالدين والحساب والقدر. اليوم طموح السلطة غاية في الغباء، هذا إن لم نقل الإنتهازية، بالإضافة إلى الإرتهان الكامل للاعبين غير سوريين. إن وصول المفاوضين إلى حكومة ولو بعد سنة ومهما كانت هو منتج جيد باعتقادي لأن مثل هذه الحكومة ستقوم على أساس تحقيق ما قلته من الإنفراجات الدوارة، سلعتهم الوحيدة تجاه الشعب. ، لكن مثل هذه الحكومة ستحرق المفاوضين كسياسيين وهذا تماماً ما أتمناه لهم. طبعاً سيزاودون على بعضهم وسيكون أداؤهم سيئاً لأنهم غير مؤهلين وغير جاهزين، إنهم لا يعرفون حتىأسماء الفصائل والقرى التي يسيطر عليها كل فصيل وقضوا أوقاتهم في الصراع الداخلي على السلطة بل أن يبنوا مؤسسات تكنوقراطية تتحمل عبء جمع المعلومات ووضع المخطات ودراسة قابليتها للتنفيذ. أقصى ما أتمناه اليوم هو رسم الجبهات وظهور فترات من وقف القتال في بعض المناطق ودورانها. أما البقية فمن فعل الناس على الأرض. كل سوري ينتظر بعض الإستقرار ليعمل ويفعّل مبادرته عليه أن ينفذها إذا مرت عليه بعض فترات الإستقرار المذكورة. وأخص بالذكر العمل التنظيمي والسياسي والمؤسساتي. الهوية السورية ستتغير وهذه الحرب ستفرض على السوريين نوعاَ من التعميد بالنار. عندما يعتقد السوريون أنهم مرتبطون مع بعض برابط المعاناة فعليهم أن يسعوا لمد الأيادي لبعضهم البعض. اليوم لا أحد يثق بالآخر والساحة يسيطر عليها المغامرون والمقامرون ومراهقو الأيديولوجا بسبب ضعف التنظيم والمؤسسات وقلة الكفاءات. لكن الكفاءات اليوم تتزايد بسبب الهجرة. هؤلاء المغامرون والمقامرون من متسلطين على السياسة أو العمل العسكري يجب أن يخرجوا من المعادلة، إنهم أمراء سياسة وحرب وطوائف وعشائر وقوميات. أي سلام سيكون موتاً بطيئاً لهم وعلينا أن نسرّسع هذا الموت والتلاشي. الأمر يحتاج إلى سنوات، على الأقل عشر سنوات حتى نرى بوادر التغيير الحقيقي. لكن ما سنبنيه اليوم سنحصده غداً.