الصدمة الثقافية للاجئين

من Wiki Akhbar
اذهب إلى: تصفح، ابحث

21، نيسان، 2016-لا يصافح السيدة في ألمانية

إن تحليل أحداث تاريخية لا يتطلب نقاشاً منطقياً وإنما معرفة بالقوى والعوامل التي تحدد هذه الأحداث. أما تصرفات البشر فيمكن تحليلها وفقاً للمصالح والمعايير الإجتماعية السائدة والثقافة والأيديولوجيا وغيرها من العوامل. أما الحكم على تصرفات الناس (وليس تحليلها) فهو محاججة أخلاقية معيارية وبالتالي يعتمد على معايير الإنسان الذي يعطي الحكم وعلى قدرته على وضع هذه المعايير في تسلسل منطقي يقود إلى حكم بالموافقة أو التشجيع أو التنديد أو الرفض او التقزز أو الإستغراب أو الإستهجان وما إلى ذلك من هذه المشاعر وردود الأفعال البشرية. ولذلك أحب هذه المناقشات لأن قواعدها بسيطة ولا تقتضي معرفة قوانين الفيزياء او العوامل التاريخية. في هذا السياق يمكن أن أدخل في النقاش الدائر (والذي لا أعرف إن كان مبنياً على أحداث حقيقية أم تخيلات تحريضية). اللاجئ السوري الذكر الذي يرفض مصافحة الأنثى الغربية في بلد الملجأ، ما حكمه؟ اعتبره سؤال من الاسئلة التي يطرحها الناس على مفتيي القنوات الفضائية. الحكم سيكون حسب المعايير التي يعتمدها المفتي. بالنسبة للمفتي المسلم المصافحة حرام، لكنه سيعتبر أي رد فعل من الأنثى الغربية وأهلها ودولتها ثمناً معروفاً للمحافظة على نقاء الإلتزام بالإيمان الإسلامي. وقد يغضب إذا قامت دولة اللجوء بطرد الملتجئ إليها، طبعاً لأنهم كفار وحاقدون على المسلمين. لن يخطر على بال هذا المفتي أن يحكم على القضية من وجهة نظر ثقافة بلد اللجوء أو قوانينه. أما إذا تقمصنا معايير بلد اللجوء، فمن الناحية الأخلاقية الشاب المسلم أظهر اشمئزازاً من كون الشابة إمرأة وبالتالي غير اعتبرها طاهرة. هذا الإشمئزاز يتناقض مع أصول الإستضافة لأن الضيف يخضع لقواعد المضيف وليس العكس. من وجهة نظر دولة الملجأ هذا الشاب غير مخل بالقانون لكنه ليس مواطناً وإنما هو طالب لجوء. وفي هذه الحالة فإن على دارس طلب اللجوء أن يقرر إذا ما كان هذا الشاب خطراً على المجتمع المضيف أم لا، فهذا ضمن صلاحياته وتعريف عمله، ويمكنه أن يرفض طلب اللجوء إذا كان التبرير ضمن ما يسمح به القانون. هل نلومه؟ لا اعتقد. يمكن أن تقول انهم يكرهون المسلمين، وقد يكون هذا صحيحاً، لكن ما أظهره الشاب مضاد لعادات وأخلاق البلد وهو بالتالي خطر عليها. وبما أن القوة والقانون في صفهم فعلى اللاجئ قبول القرار. هذا هو النظام الدولي المعترف به، ضمن الدولة الحديثة هناك المواطن وهناك الزائر وهناك اللاجئ وهذه تصنيفات يحددها القانون كما يحدد كيفية التعامل معها وحقوقها وواجباتها. قد يقول الإنسان، هذه أرض الله الواسعة وأنا هارب من حرب وطالب الحماية والقوت والملجاً. نعم إنها أرض الله الواسعة لكن كما أنت تعترف بنفس التصنيفات في بلدك فيجب أن تقبل بها في بلد آخر. وحتى لو أخذنا الموضوع من وجهة نظر إسلامية فالشاب في دار الحرب والكفر، وقع وما حدا سمى عليه. أما من وجهة نظر أخلاقية عامة وباعتماد الأخلاق التي تشترك بها البشرية وبغض النظر عن القوانين المتبعة والإختلافات الثقافية والدينية، فإن الحكم يصبح أصعب، لأن مثل هذه المعايير غير موجودة. قد يقول قائل، شرعة حقوق الإنسان. نعم هذا ممكن إذا كان الطرفان يعترفان بهذه الشرعة. وهذه الشرعة تطلب من بلد اللجوء قبول اللاجئ وتوفير المساعدة والمسكن والقوت له ولعائلته لكنها تفرض عليه الإلتزام بقوانين البلد المضيف. رفض المصافحة ليس خرقاً للقانون، لكنه يدخل في اعتبارات قبول أو رفض طلب اللجوء. طبعاً للشابة التي تمت إهانتها حسب معاييرها وفي بلدها فإنه يمكنهاوضمن حقوقها أن ترد الاذى النفسي عنها وأن تشهر بالشاب الذي أهانها حسب ثقافتها وفي بلدها. يا أخي قواعد بسيطة، أنت تتعامل مع بشر في وضع لا يسمح لك بفرض عاداتك وتقاليدك ولا حتى بالدفاع عنها لأنك لست مواطناً بعد في بلد اللجوء، يعني أقصى ما يمكن أن تتمناه هو المعاملة بالمثل، هي احترمتك وساعدتك حسب معتقداتها وراعت كونك مسلماً مختلفاً عنها بأن لم تطعمك لحم الخنزير أما انت فقد أهنتها حسب عاداتها وثقافتها. ويمكنني أن أحاجج أنك أهنتها حسب عاداتك وثقافتك أنت. إسال نفسك لماذا لا تصافح المرأة؟ ماذا تقول الشريعة في ذلك؟ القرآن يقول وإذا لامستم النساء (وأغلب الظن أنه يعني ممارسة الجنس) لكنه لا يحدد سبب إعادة الوضوء بعد ملامسة النساء. طبعاً الفقهاء والمشايخ تبرعوا وأبدعوا أن السبب هو أن المرأة تنقض الوضوء لأنها غير طاهرة أو أنها قد تكون كذلك خلال دورتها الشهرية وبالتالي فهي غير طاهرة، فلذلك ومن باب الحذر (اي أن لا يعرف المصافح إذا ما كانت في أثناء الدورة الشهرية أم لا) يجب إعادة التوضؤ. يعني أنك ومن باب الحذر تفترض أن المرأة التي ستصافحها غير طاهرة. إذا كان الله قد أعطاها دم الحيض أسبوعاً في الشهر (وهو سبب نقض الطهارة وليست المرأة نفسها) فكيف تحكم عليها بعدم الطهارة بقية الشهر. أنت تحرم ما حلله الله وبالتالي فانت تسيء إلى هذه المرأة حسب معايير دينك أنت. الأحرى بك أن تصافحها احتراماً للثلاثة أسابيع الطاهرة التي منحها إيها ربك وأن تعيد وضوءك، فهذا لن يكلفك شيئاً. لكن الواقع هو أنك تتباهى بتعصبك وتجاوزك حدود المعقول من أجل أن تبقى طاهراً ولا تأبه بمشاعر أختك وصديقتك وابنة عمك وزميلتك وتعتبرها خبيثة من باب الإفتراض والحذر ولا تحمل نفسك مثل هذه المشقة، إذن أنت أناني وترقص حول نرجسيتك وتسعى للتخفيف على نفسك. وإذا كنت ضيفاً خفيف الظل لبقاً فالاحرى بك أن تتخلى عن تعصبك احتراماً لمن يساعدك. أنت تستطيع دائماً أن تعيد وضوءك ولا يكلفك هذا شيئاً بل إنك تثبت حسن نيتك تجاه من اخترت أن تعبر البحار لتنزل ضيفاً عليهم. ولا تقل أين الديمقراطية وأين الحرية فأنت تعرف تمام المعرفة أن القانون يحمي الحرية بالتالي فالحرية تخضع لقانون البلد وليست هناك حريات مطلقة. طبعاً النقاش كله قد يكون قائماً على قصة ملفقة، لكن التمرين الذهني ضروري لأن مثل هذه الأحداث ستحصل ويجب التفكير بها.